لا تنتظر شكر .. وكن منتظر لـ الجحود
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
وبعد ..
خلق الله العباد ليذكروه ورزق الله الخليقة ليشكروه ، فعبد الكثير غيره ،
وشكر الغالب سواه ، لأن طبيعة الجحود والنكران والجفاء وكفران النعم غالبة
على النفوس ، فلا تصدم إذا وجدت هؤلاء قد كفروا جميلك ، وأحرقوا إحسانك ،
ونسوا معروفك ، بل ربما ناصبوك العداء ، ورموك بمنجنيق الحقد الدفين ، لا
لشيء إلأ لأنك أحسنت إليهم " وما نقموا الا ان اغناهم الله ورسوله من فضله
" وطالع سجل العالم المشهود ، فإذا في فصوله قصة أب ربى ابنه وغذاه وكساه
وأطعمه وسقاه ، وأدبه ، وعلمه ، سهر لينام ، وجاع ليشبع ، وتعب ليرتاح ،
فلما طرشارب هذا الابن وقوي ساعده ، أصبح لوالده كالكلب العقور ،
استخفافاً ، ازدراء ، مقتاً ، عقوقاً صارخاً ، عذاباً وبيلأ.
ألا فليهدأ الذين احترقت أوراق جميلهم عند منكوسي الفطر ، ومحطمي الإرادات ، وليهنأوا بعوض المثوبة عند من لا تنفذ خزائنه.
إن هذا الخطاب الحار لا يدعوك لترك الجميل ، وعدم الإحسان للغير ، وإنما
يوطنك على انتظار الجحود ، والتنكر لهذا الجميل والإحسان ، فلا تبتئس بما
كانوا يصنعون.
اعمل الخير لوجه الله ، لأنك الفائز على كل حال ، ثم لا يضر غمط من غمطه ،
ولا جحود من جحده ، واحمد الله لأنك المحسن ، وهو المسيء واليد العليا خير
من اليد السفلى " انما نطعمكم لوجه الله لانريد منكم جزاء ولاشكورا " وقد
ذهل كثير من العقلاء من جبلة الجحود عند الغوغاء ، وكأنهم ما سمعوا الوحي
الجليل وهو ينعي على الصنف عتؤه وتمرده " مر كان لم يدعنا الى ضر مسه " لا
تفاجأ إذا أهديت بليدا قلما فكتب به هجاءك ، أو منحت جافياً عصا يتوكأ
عليها ويهش بها على غنمه ، فشج بها رأسك ، هذا هو الأصل عند هذه البشرية
المحنطة في كفن الجحود مع باريها جل في علاه ، فكيف بها معي ومعك.
كتاب لا تحزن لـ الشيخ عائض القرني